Sunday, June 8, 2008

هكذا فهمت السعادة


أخي وصديقي صلاح تحدث عن "مفهوم السعادة" في مدونته وكان هذا الموضوع من اهتماماتي منذ سنوات. استطعت أن انتج تعريف لمفهوم السعادة وأبتدأت غير متعمد، الي درجة ما، انتهاج ما رأيته يوصلني الى السعادة.
http://9ala7.blogspot.com/search/label/Happiness
لطالما كان مفهوم "السعادة" من البحوث التي ظهرت في عدة من مجالات المعرفة الانسانية؛ علماء الاديان، الفلاسفة، علماء الاجتماع و في العصر الحديث الباحثين في علوم الاقتصاد و التجارة كلهم بحثوا و حاولوا جاهدين تعريف السعادة و قياسهاعند الافراد والمجتمعات و تحديد طرق الوصول اليها.
يرى تفاوتا كبيرا في الاَراء و أيضا تشابها خفيا فيما يتعلق بمفهوم السعادة. بدون الدخول في تفاصيل التشابه والاختلاف، وجودهما يوصلني الى الاستنتاج أن هناك عامل مشترك بين الأفراد على الرغم من اختلاف خبراتهم العلمية وأديانهم و معتقداتهم وثقافاتهم.
ارجئ التشابه في الاراء الى الفطرة السليمة التي فطر عليها الانسان من الخالق عزوجل، و الاختلاف في هذه الاراء يعود الى المكتسبات من المجتمع و الأهل و البيئة......الخ. على هذا أستنتج أنه مهما تشوهت الفطرة يبقى جزء منها صامد تجاه المشوهات المكتسبة، و أنه ما يجلب السعادة لفرد من بيئة معينة هو نفسه ما يجلب السعادة لشخص اَخر من بيئة مختلفة تماما و لكن هذا منوط بدخول الشخص بأعماقه ودراستها بحيادية وتمعن وصدق مع النفس.
السعاده حسبما أرى لها مفهومين لامفهوم واحد. المفهوم الاول هو السعادة والتعاسة اللحظيتين بمعنى الشعور المؤقت بالفرح و الأسى تبعا لحدث ما وظرف معين، على سبيل المثال، يفرح المرء عند النجاح أو الزواج أوالانجاب و يحزن عند فقدان عزيز أو عند التعرض لمشكلة ما. هنا السعادة ما هي الا "شعور أو احساس".
عند سؤال المرء في اي من تلك اللحظات عن ما اذا كان سعيدا ام لا فالجواب سيكون معبرا عن شعوره في تلك الساعة. لكن عادة في الاستفتاءات التي تدرس مدى سعادة مجتمع معين تكون الاسئلة متعددة و من خلالها يستنتج الباحث مدى سعادة امة معينة. من المؤكد هنا ان الاستنتاج يبنى على اساس ما يراه الباحث من مؤشرات السعادة حسب تعريفه لهذا المفهوم.
لا اريد هنا ان اخوض في مفهوم السعادة اللحظية أو الشعور بالبهجة لانه عادة لايملك الانسان السيطرة على" الشعور" اللحظي وكل ما يستطيع المرء فعله هو التحكم في اظهار البهجة أو الحزن مع، على أحسن الحالات، التفويض و التسليم للأمر و التخطيط للمرحلة المقبلة.
أريد هنا أن أستعرض رأيي الخاص بما هو أهم من ذلك كله بالنسبة لنا كأفراد، أردت أن أستعرض ما يبعث السعادة الحقيقية بداخلنا بغض النظر عن العالم الخارجي و ظروفه و أحداثه. المفهوم الثاني والأعمق للسعادة يختلف تماما عن الأول كون السعادة هنا ليست" شعور" انما "حالة" يعيشها الفرد وهي غير مرتبطة بالشعور بالسعادة كما في المفهوم الأول.
نعم نسلم ان الايمان بالله يبعث الاحساس بالسعادة و بالطمأنينة، ونسلم بكون الشعور بالطمأنينة على قدر ايمان الشخص وتسليمه لأمر الله تبارك و تعالى.
لكن "الايمان" مفهوم عام و عميق، وأرى ان موضوع السعادة له جوانب اخرى يجب التفكر فيها.
الله هو موجد جميع الموجودات وهو كامل بذاته ومادونه ناقص. لكن لما كان الناقص نابع من الكامل فانه بطبيعته سيكون باحثا ومحاولا التوجه الى الكمال لعدم شعوره بالاستقرار في حالة النقصان. لكن عندما كان الكمال مستحيلا للمخلوقات فان هذه المخلوقات تتجه نحو كمالها هي على قدر ما فيها هي من طاقة و قدرات. فنرى على سبيل المثال تحول البذرة الى شجرة جميلة مثمرة، و تحول العلقة في الرحم الى حيوان متكامل مرورا بعدة مراحل. أستند هنا على النظريات التي تدافع عن رغبة الموجودات بالتوجه الى الاستقرار و ليس الفوضى.
الانسان هو سيد المخلوقات لما يمتلك من عقل و روح و مادة. فقياسا على باقي المخلوقات، الانسان كذلك يريد بطبيعته التوجه والتحرك الى كماله. هنا كمال الانسان غير محدود كحال المخلوقات الاخرى و يستطيع الانسان الوصول الى مراتب عليا كما في اَيات القران الكريم والروايات عن النبي الأكرم (ص) واَله وصحبه المتحدثة عن مسئولية الانسان العظيمة وكونه خليفة الله في الأرض.
أرى أنه يسعد الانسان في التحرك الى كماله ولكن عند خموله وكسله، عدم تحركه الى هذا المبتغى الفطري يشعره بالنقصان الذي يستدعي العيش بحالة من الحزن وعدم الرضا. هنا يقوم الانسان الغير واعي بالتوجه الى أمور اخرى مادية أو معنوية تشعره بالسعادة اللحظية (البهجة) التي سرعان ما تتلاشى معتقدا أن هذا ما يجلب له السعادة.
الانسان له ثلاث عناصر اساسية وهم الروح و العقل و المادة (الجسم) و كل هذه العناصر يجب ان تتجه و تتحرك الى كمالها.
العنصر الأول والأبسط هو المادة. كمال هذا العنصر يكمن في صحته و جمال صورته. استدللت على هذا كون الأنبياء عليهم السلام هم اقرب الى الكمال من سائر البشر و نراهم، كما يروى، أنهم كانوا في غاية جمال الصورة. بالطبع هناك أسباب أخرى لكونهم في هذه الصورة الحسنة لايسعني نقاشها هنا ولكن أقول من الناحية التكوينية اقتضوا ان يكونوا في كمال الصورة.
قدرتنا نحن في هذا الجانب محصورة في المحافظة على صحة الجسم ووقايته مما يشوه كماله الخلقي.
العنصر الثاني هو العقل الذي كان أعز خلق الله تبارك و تعالى حسبما روي "إن أول خلق خلقه الله -عزّ وجل- العقل فقال له: أقبل!.. فأقبل، ثم قال له: أدبر!.. فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك، بك أؤاخذ، وبك أثيب، وبك أعاقب".
العقل بطبيعته يرغب بالتعلم وكشف الأسرار وتحليل الظواهر وتحصيل الحكمة. فطرة الانسان السليمة الغير مشوهة والغير مقيدة تريد أن تعرف كل ما كان و ما هو كائن و ما سيكون حتى تنكشف جميع أسرار الكون وهنا يصل العقل الى جزء من كماله. الجزء الاَخر من كمال العقل يتحقق بوضوح الحقيقة للعقل وادراكه للحكمة و توجهه نحو الفضيلة واتباعها بكل ثبات و يقين.
من الواضح استحالة وصولنا الى هذا المبتغى، لكن معرفتنا بأننا نتحرك باتجاه كمال العقل تشعرنا بالرضا وكلما كان تحركنا اسرع وأقوى كلما كان شعورنا بالسعادة و الرضا أقوى. العلم و البحث المطلوبان من العقل لايختصان بأمور الدين فقط انما بجميع ابواب المعارف والفنون.
العنصر الثالث هو الروح و كمالها له جانبين. الجانب الأول يختص بتزكية النفس بحيث تتحلى بالصفات الحسنة كالشجاعة و الحلم و الصبر و الصدق و الكرم و الشهامة و المروءة و الرحمة.....الخ. في هذا الجانب يتفق المؤمن والغير مؤمن على حسن هذه الصفات و وجوب التحلي بها لكي يكمل الفرد. العمل على التحلي بأعلى درجات هذه الصفات يعتبر تحرك نحو كمال الروح.
أنوه هنا أن حسن هذه الصفات بذاتها واتفاق " المؤمن والغير مؤمن" على حسنها موضوع بحث في علم الكلام والفلسفة و من يريد التوسع فعليه الرجوع الى متن كتب علم الكلام.
الجانب الاَخر من الروح هو تقواها و طاعتها للخالق عز و جل وكمالها هنا يكون بارتباطها الكلي بالله تبارك و تعالى في كل "لحظة" من لحظات العمر. مدى الارتباط موضوع عميق لايسعني الخوض فيه.
بصورة عامة حتى ساكني أعلى درجات الجنان يستمرون بالعمل هناك على التحرك نحو هذا الكمال وتستمر رحلة الكمال بدون توقف.
خلاصة اعتقادي أن السعادة الحقيقية تكمن بالتحرك الى كمال الانسان بعناصره الثلاثة (المادة و العقل و الروح).
كمال المادة يكون بوصولها لقمة جمالها و صحتها و هذا يستدعينا للمحافظة على صحتنا.
كمال العقل يتحقق بعلم الانسان بما كان و بما هو كائن و بما سيكون و مسئوليتنا هنا ان نبتعد عن الكسل و الخمول العقلي و أن ندرب أنفسنا على البحث و التفكر و التأمل في أكبر قدر ممكن من علوم الدين و الدنيا و فنونها.
تحركنا الى كمال الروح يكون بتحلينا بالصفات الحسنة و تطويرها في انفسنا و ترويض نفوسنا وتزكيتها، و محاولة الوصول الى ارتباط كلي مع الله تبارك و تعالى حتى نذوب و تنعدم انيتنا في حضرته المقدسة.
بالعمل على هذا نستطيع ان ندرك"حالة" السعادة.
ما كتبت أعلاه يعطي انطباعا بأن الانسان يجب أن يشتغل بنفسه بكل أنانية. لكن عندما كان الانسان مخلوق اجتماعي، أصبح من دواعي "الفطرة السليمة" أن يأخذ الانسان باقي البشر الى رحلة الكمال معه وأن يساعدهم على التغلب على صعوباتهم الخاصة التي تعرقل تحركهم نحو كمالهم وبالتالي هو أيضا يسهل تحركه الى كماله. بهذا تنتشر الفضيلة ويصبح العدل هو الحكم!

أعود مرة اخرى للشعور بالبهجة و أقول أن المؤمن لا يمكن أن يكون مبتهجا و هو دائما مغموم. كيف له الابتهاج و هو عالم بما ينتظره من أهوال الموت و يوم القيامة.
كيف يكون مبتهجا و هناك في العالم شيخ لايوقر و طفل لايرحم و امرأة تسلب كرامتها و رجل يقهر وحق ضائع و باطل منتشر و هو خليفة الله عز و جل بالأرض و لا يستطيع رفع الأذى عن انسان مثله؟!!!
بعد انتهائي من كتابة رأيي في السعادة ظهرت لدي تساؤلات أكثر زادت من حيرتي.
أنا لم أدعي أن رأيي هو الحق و لكني قلت ما اؤمن به في هذه الساعة حسبما توصلت اليه من البحث و التفكير في هذا الموضوع. لكن بعد صياغته كتابيا ابتدأت أتساءل كالاَتي:
هل كمال المادة و العقل و الروح واجب للوصول للارتباط الكلي بالله سبحانه أم أن رغبة الانسان بالوصول الى كماله هي ما تقتضيه ذات الانسان و وجوده كونه مخلوق!
كل ما أستطيع قوله الاَن أن البحث يطول وأني أحتاج للقراءة والبحث والتفكر في امور دينية و فلسفية وكلامية حتى أتمكن من تكوين وجهة نظر أكمل.
لكن في هذه الساعة أنا هكذا أرى السعادة.


9 comments:

Mohammad Al-Yousifi said...

موضوع جميل

يمكن أقولك ان السعادة هي الرضا و التعمق بتقدير النعم

Anonymous said...

I might agree with u in some points, and I appreciate ur search and thoughts about happiness.. but i think u complicat it in another way.. I mean its not just about completeness, though this could be a part of it.. I think its more about being grateful for what u have, even little stuff, and giving.. and i mean by giving here, to do something that helps to have a better world, like feeding, educating, helping.. and also to have goals and dreams to be achieved.. and i think we ppl always have dreams, even if we achieve one we have another. I think all these things create happiness.

RLdVW said...

Thank you kila ma6goog for stopping by and reading the article. Yes it is important to think deeply in our gifts, the greatest of which is our ability to think. May God fill our hearts with the love of wisdom.

RLdVW said...

Ladywhisper, I appreciate your interest in my topic and the effort you put in writing your comment. I agree with you that "giving" to have a better world is a responsibility. We, however, define our dimension and the area over which we contribute to the human race. For example, a French farmer was probably happy, but sure is that Descarte's contribution was far greater.

Anonymous said...

السلام عليكم

موضوع يستحق قراءته بتعمق أكثر (القراءة الثانية لاحقا)

هل تعتقد إذا ترك كل انسان لفطرته دون مؤثرات خارجية هل سيكونون متشابهين أم مختلفين و هل سيصلون للسعادة؟

RLdVW said...

وعليكم السلام
شكرا الزرقاء على مرورك الكريم
أولا ما اذا لم تتشوه الفطرة وهل يتشابه الناس، اعتقد أنه يبقى الناس مختلفون كما ذكرت في المقال أن الناس يأخذون من الفيض الالهي بقدر طاقات استيعابهم بغض النظر عن صلاحهم أم فسادهم. الفطرة السليمة تحث الانسان على التوجه نحو كماله لكن طاقات الأفراد متفاوتة. الفيض الالهي و طاقات المخلوقات يعبر عنها كالاتي اذا كان هذا الفيض كالبحر فاننا نأخذ من البحر على قدر سعة انائنا!
هل تؤدي الفطرة السليمةالغير مشوهة الى السعادة؟ من المؤكد وهذا من دواعي عدل الله و كماله ورحمته بالعباد بانه خلقهم في أحسن تقويم. والله أعلم والحديث يطول. وفقنا الله و اياكم الى الصلاح و رضاه.

حلم جميل بوطن أفضل said...

أعتقد إن السعادة تكمن في تحقيق الذات عوضاً عن الكمال. و تحقيق الذات يبدأ بالبحث عنها و العثور عليها ثم تحديد مبتغاها و هذا أمر نسبي يختلف من شخص لآخر

هناك من يهدف لأمور معينة حين يصل إليها لا يشعر بالسعادة لأنه لم يعرف حقيقة ذاته

و لهذا يختلف مفهوم السعادة من شخص لآخر بإختلاف الأهواء

و تحقيق الذات لا يعني الكمال دوماً بل أحياناً قد يعني النقيض

آرنست همنغواي ترك الدنيا و ما فيها و عاش في مزرعة في أفريقيا يصطاد السمك. لأنه حقق ذاته بالحصول على مقدار من المال يكفيه لممارسة ما يحب حتى يوم موته و كان مشهوراً لذا كان يزوره أصدقائه بإستمرار و لم يشعر بالوحدة في منفاه الإختياري

RLdVW said...

Thank you حلم جميل بوطن for stopping by and reading, and for your thoughtful comment. I agree with you partially. I hope we all find our path to "eternal" happiness.

By the way, Ernst Hemigway, the novelist, didn't live in Africa, but rather went there for hunting and fishing. He was active all his life in writing, world and American politics. Sadly though, he was clinically depressed until he shot himself dead in the face with a shot gun:(

حلم جميل بوطن أفضل said...

و لم أقل عكس ما تفضلت به. و لكنه لم يزر أفريقيا بل عاش فيها لفترة. و لولا الإضطرابات السياسية لما تركها. و قد تعرض الى حادثتي تحطم لطائرته. و في أفريقيا كتب أفضل أعماله ، و عاش بسعادة رغم إنه كان يعاني من بعض الأمراض النفسية المضطربة

إذاً سعادته كانت في تحقيق ذاته ، صيد السمك في أفريقيا ، ما مكنه من الإبداع الأدبي